كلامه. فهذا الاختلاف في استحباب الجهر بعد الصلوات بالأذكار الواردة من حيث الجملة، وحديث ابن عباس دليل على الاستحباب. وأما تخصيص هذه التهليلات بالجهر دون غيرها من الأذكار، فلم نعلم له أصلا، ولكن لما أثبت ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صح الاستدلال به على رفع الصوت بالتهليلات؛ إذ هو من جملة الأذكار الواردة، فمن رفع صوته بذلك لم ينكر عليه، بل يقال: رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة مستحب، ومن أسر لم ينكر عليه، لأن ذلك من مسائل الاختلاف بين العلماء، وكل منهم قد قال باجتهاده، رضي الله عنهم.
(حكم التلقيح بالجدري)
وأما السؤال عن التوتين الذي يفعله العوام يأخذون قيحا من المجدور، ويشقون جلد الصحيح، ويجعلونه في ذلك المشقوق يزعمون أنه إن جدر يخفف عنه، فهذا ليس من التمائم المنهي عن تعليقها فيما يظهر لنا، وإنما هو من التداوي عن الداء قبل نزوله كما يفعلون بالمجدور إذا أخذته حمى الجدري لطخوا رجليه بالحنا لئلا يظهر الجدري في عينيه، وقد جرب ذلك، فوجد له تأثير، وهؤلاء يزعمون أن التوتين من الأسباب المخففة للجدري.
والذي يظهر لنا فيه الكراهة، لأن فاعله يستعجل به البلاء قبل نزوله إلا أنه في الغالب إذا وتن ظهر فيه الجدري، فربما قتله، فيكون الفاعل لذلك قد أعان على قتل نفسه، كما قد ذكره العلماء فيمن أكل فوق الشبع؛ فمات بسبب ذلك فهذا وجه الكراهة١.
١ يظهر أن هذا التوتين الذي يسمى الآن التلقيح أو التطعيم لم يكن في عصر هذا المفتي أو في بلاده قد نجح كنجاحه المعروف الآن حتى في أمراض أخرى غير الجدري، ولذلك أثبت أنه مظنة الضرر فيكون مكروها، وقد حرمه في أول ظهوره كثير من أهل البلاد، والملل المختلفة حتى الإنكليز، وقد ثبت من عهد بعيد أنه يقي من هذا الداء الفتاك المشوه، وأن تأثير التلقيح الواقي خفيف جدا يتحمله الأطفال بسهولة، فالقول بوجوبه غير بعيد.