وأمَّا أهل السُّنَّة والجماعة، فإنَّهم توسَّطوا بين هؤلاء وهؤلاء، فأثبتوا بلا تشبيه، ونَزَّهوا بلا تعطيل، كما قال الله عزَّ وجلَّ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فأثبتوا لله السَّمعَ والبصرَ كما أثبت الله ذلك لنفسه، فلَم يُعطِّلوا، ومع إثباتهم نزَّهوا ولم يُشبِّهوا، فالمشبِّهةُ عندهم الإثبات والتشبيه، والمعطِّلة عندهم التعطيل والتَنْزيه، وأهل السُّنَّة عندهم الإثبات والتنْزيه، فجمعوا بين الحُسنيين: الإثبات والتنْزيه، وسَلِموا من الإساءتين: التشبيه والتعطيل، والمُعطِّلةُ يَصفون أهلَ السُّنَّة زوراً أنَّهم مُشبِّهة؛ لأنَّهم لم يتصوَّروا إثباتاً إلاَّ مع التشبيه، وأهل السُّنَّة يصفون المعطِّلة بأنَّهم نافون للمعبود، قال ابن عبد البر في التمهيد (٧/١٤٥) : "وأمَّا أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلُّها والخوارج، فكلُّهم يُنكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أنَّ من أقرَّ بها مشبِّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود".
ونقله عنه الذهبي في العلو (ص: ١٣٢٦) ، وعلَّق عليه قائلاً:"صدق والله! فإنَّ من تأوَّل سائر الصفات وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام، أدَّاه ذلك السَّلب إلى تعطيل الربِّ، وأن يشابه المعدوم، كما نُقل عن حماد بن زيد أنَّه قال: مَثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سَعَف؟ قالوا: لا، قيل: فلها كَرَب؟ قالوا: لا، قيل: لها رُطَب وقِنو؟ قالوا: لا، قيل: فلها ساق؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة! ".
والمعنى أنَّ من نفى عن الله الصفات، فإنَّ حقيقةَ أمره نفيُ المعبود؛ إذ لا يُتصوَّرُ وجود ذات مجرَّدة من جميع الصفات.
ولهذا قال ابن القيم في المقدمة التي بين يدي قصيدته النونية: "فالمشبِّه