غموضٌ وتلبيسٌ؛ يتّضح ذلك بالإشارة إلى واحدٍ منها، وهو نفيُ الجسم، فإنَّه يحتمل أن يُراد به ذاتٌ مشابهة للمخلوقات، وعلى هذا الاحتمال يُردّ اللفظُ والمعنى جميعاً؛ لأنَّ اللهَ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وإن أُريد به ذاتٌ قائمةٌ بنفسها، مباينةٌ للمخلوقات، متّصفةٌ بصفات الكمال، فإنَّ هذا المعنى حقٌّ، ولا يجوز نفيُه عن الله، وإنَّما يُردّ هذا اللفظ لاشتماله على معنى حقّ ومعنى باطل.
وسيأتي في كلام المقريزي (ص: ١٤، ١٥) قولُه عن الصحابة: "فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه، ونزّهوا مِن غير تعطيل، ولم يتعرّض مع ذلك أحدٌ منهم إلى تأويل شيء مِن هذا، ورأوا بأجمعهم إجراءَ الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحدٍ منهم ما يستدلُّ به على وحدانيَّة الله تعالى وعلى إثبات نبوَّة محمّد صلى الله عليه وسلم سوى كتاب الله، ولا عرف أحدٌ منهم شيئاً مِن الطرق الكلامية ولا مسائل الفلسفة".
وسيأتي أيضاً في كلام أبي المظفّر السمعاني (ص: ١٦) قولُه في بيان فساد طريقة المتكلِّمين: "وكان مِمَّا أمر بتبليغه التوحيد، بل هو أصلُ ما أمرَ به فلم يترك شيئاً من أمور الدِّين أصولَه وقواعدَه وشرائعَه إلاَّ بلَّغه، ثمَّ لَم يَدْعُ إلى الاستدلال بما تَمسَّكوا به من الجوهر والعرض، ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرفٌ واحدٌ فما فوقه، فعُرف بذلك أنَّهم ذهبوا خلافَ مذهبهم وسلكوا غيرَ سبيلهم بطريق مُحدَث مُخترَع لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابُه رضي الله عنهم، ويلزم من سلوكه العودُ على السلف بالطعن والقَدْح، ونسبتهم إلى قلَّة المعرفة واشتباه الطرق، فالحذر من الاشتغال بكلامهم والاكتراث بمقالاتهم؛ فإنَّها سريعةُ التهافت كثيرةُ التناقض"، وقولُ أبي المظفّر السمعاني هذا أورده الحافظ ابن