مقدمة "صحيحه" عن ابن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة - فتنة ابن سبأ في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه -، فقالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم".
ولِمَا روى يعقوب بن شيبة (ت ٢٦٢ هـ) عن ابن المديني (ت ٢٣٤ هـ) ، قال:"كان ابن سيرين ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد".
ثالثاً: إن نشأة علم الرجال وجرح الرواة وتعديلهم جاء نتيجة لتطور استعمال الإسناد وانتشاره، وكلما تقادم الزمن كثرت الوسائط وطالت الأسانيد فاحتيج إلى بيان حال هذه الوسائط وتمييزها، فظهرت كتب الرجال في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، وأول من ذكر أنه صنف فيه - فيما وقفت عليه - الإمام الليث بن سعد (ت ١٧٥ هـ) والإمام عبد الله بن المبارك (ت ١٨١ هـ) .
رابعاً: إن تنوع التصنيف في علم الرجال، من كتب معرفة الصحابة إلى كتب الطبقات إلى كتب الجرح والتعديل إلى كتب التواريخ المحلية، ثم كتب تمييز الأسماء بمختلف أنواعها؛ ليدل على العناية الفائقة والجهود العظيمة والدقة المتناهية التي قام بها علماء هذه الأمة لمعرفة أسماء الرواة وتمييزها وبيان حال كل رجل حتى لا يكاد يوجد راوٍ في القرون الثلاثة الأولى له مشاركة في الرواية إلا وقد عُرف شخصه وبُيِّن حاله.
ولذلك كان هذا العلم - علم الرجال - بحق خاصية امتازت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي ميزة خاصة لأهل الحديث في هذه الأمة بخلاف