للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذه الأقوال المتقدمة وغيرها كثير، يدل على عناية المحدثين بالأسانيد، وحفظهم لها، ويدل أيضاً على استقراء تام، وتتبع دقيق، حصل لهم بعد طول ممارسة وعناء شديد في الجمع والتحصيل. "وكيف لا يكونون كذلك؟! وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسَمَرهم المعارضة، واسترواحَهم المذاكرة، وخَلوقَهم المِدَاد، ونومَهم السُّهَاد (١) ، واصطلاءهم الضياء، وتوسدَهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بُؤس، فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تَعلُّم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السُّنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم" (٢) .

ومن آثار العناية بالأسانيد:

ثالثاً:- القدر الهائل من الكتب الحديثية المسندة، من صحاح، وسنن، ومسانيد، وموطآت، ومصنفات، وجوامع، ومستخرجات ومستدركات، ومعاجم، وفوائد، وأمالٍ، وأجزاء ... وغيرها كثير (٣) ، عُني مؤلفوها برواية الأحاديث والآثار الواردة فيها بالأسانيد، وتشغل تلك الأسانيد حيزاً كبيرا من الكتب المذكورة، بحيث لو جردت من أسانيدها لصارت في ربع حجمها


(١) السُّهَاد: الأَرَق. انظر مختار الصحاح: (ص٣١٨) .
(٢) معرفة علوم الحديث للحاكم: (ص٣) .
(٣) انظر: المعجم المفهرس للحافظ ابن حجر العسقلاني، والرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة لمحمد بن جعفر الكتاني، والفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط (الحديث النبوي الشريف وعلومه ورجاله) إصدار مؤسسة آل البيت بالأردن.

<<  <   >  >>