[المبحث الثالث: عناية العلماء بعلم الجرح والتعديل]
العناية برجال الأسانيد لا تقل أهمية عن العناية بالأسانيد وبالمتون التي انتهت إليها تلك الأسانيد، لذلك قال علي بن المديني رحمه الله:"التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم"(١) .
فكما بذل المحدثون جهوداً عظيمة في جمع الأحاديث وحفظها، وتدوينها، وتأليف الكتب المسندة بأنواعها المتعددة، فقد بذلوا أيضاً جهوداً عظيمة في البحث عن أحوال الرجال الذين رووا تلك الأحاديث، والتفتيش عنهم، وسؤال أهل العلم عنهم، والسفر إلى البلدان لمشافهتهم والتعرف عليهم.
قال عبد الرحمن المعلمي رحمه الله: "ليس نقد الرواة بالأمر الهَيّن، فإن الناقد لابد أن يكون واسع الاطلاع على الأخبار المروية، عارفاً بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والموقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي: متى ولد؟ وبأي بلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟
ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث. ثم يعرف مرويات الناس عنهم،