للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد تضافرت جهود الصحابة رضي الله عنهم والتابعين للتصدي لهؤلاء والتحذير منهم ومن بدعهم. روى مسلم في صحيحه عن يحيى بن يَعْمَر قال: "كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجُهَني، فانطلقت أنا وحُمَيد بن عبد الرحمن الحِمْيري حاجَّين أو مُعْتَمِرَين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدر، فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر ابن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلَنا ناس يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم (١) - وذكر من شأنهم - وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف (٢) .

قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريءٌ منهم، وأنهم بُرآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أُحُد ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" (٣) .

فهذا الخبر يبين حسن تصرف هذين التابعيين رحمهما الله في الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم عن هؤلاء المبتدعة، ويبين أيضاً موقف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في البراءة من هؤلاء حتى لا يُغْتَرَّ بهم، وهذا قدح فيهم، وتحذير منهم.


(١) يتقفرون العلم: أي يتطلَّبونه. (النهاية لابن الأثير ٤/٩٠) .
(٢) وأن الأمر أُنُف: أي مستأنف استئنافاً من غير أن يكون سبق به سابق قضاء وتقدير. (المصدر السابق ١/٧٥) .
(٣) صحيح مسلم: باب بيان الإيمان والإسلام ... (١/٣٧ رقم ٨) .

<<  <   >  >>