٢. المهابة العظيمة التي جعلها الله عز وجل في قلوب الناس لعلماء الجرح والتعديل، فكانوا يتحرزون من الكذب، ويتحفظون من الوقوع في الخطأ في الرواية، خوفاً من أن يتكلم فيهم أحد أئمة الجرح والتعديل، فيسقطوا من أعين الناس بتلك الكلمة، وتسطر تلك الكلمة في كتب الجرح والتعديل، ويتناقلها الناس في كتبهم قرناً بعد قرن.
لذلك كانوا يحتاطون فيما يروونه أشد الاحتياط، وكان بعضهم لا يروي إلا من كتابه، خوف الوقوع في الخطأ، ومنهم من يمتنع من التحديث إذا أحس من نفسه تغيراً، أو يحجبه أبناؤه، فلا يمكنون أحداً من السماع منه، قال عبد الرحمن بن مهدي:"جرير بن حازم اختلط، وكان له أولاد أصحاب حديث، فلما خشوا ذلك منه حجبوه، فلم يسمع منه أحد في اختلاطه شيئاً"(١) .
إنما خشوا أن يخطئ في روايته بسبب الاختلاط فَيُنقل عنه الخطأ، فيتكلم فيه المحدثون.
وهكذا جعل الله عز وجل أئمة الجرح والتعديل حراسا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فحفظ الله عز وجل بهم السنة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره في كلامٍ له على أخبار بني إسرائيل: " ... وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وُضِِعَ فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد، الذين دونوا الحديث وحرروه، وبينوا صحيحه من