للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا سبيل إلى تحري الصدق في نقل الأخبار والابتعاد عن الكذب إلا بالاعتماد على رواية الثقات، وطرح رواية غيرهم.

وقد حرص سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم على التحري في نقل الأخبار، ومواقفهم وكلامهم في هذا المعنى كثير.

فمن ذلك: أن بُشَير بن كعب العدوي جاء إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل ابن عباس رضي الله عنه لا يأذَنُ لحديثه (١) ، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟! فقال ابن عباس رضي الله عنه: إنَّا كُنَّا مَرَّةً إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدَرَتْه أبصارُنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما رَكِبَ الناس الصعبَ والذلول (٢) ، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. رواه مسلم في مقدمة صحيحه (٣) .

ويوضح قول ابن عباس هذا ما قاله محمد بن سيرين رحمه الله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فَيُنْظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (٤) .

وهذا يبين أن الحديث لما كان يدور بين الصحابة رضي الله عنهم، ويُحدِّث بعضهم بعضاً لم يكونوا يحتاجون أن يسألوا عن الإسناد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول (٥) .


(١) "لا يأذن لحديثه": لا يستمع إليه. كما في النهاية لابن الأثير: (١/٣٣) .
(٢) يعني: سلكوا كل مسلك مما يُحمد ويُذم. قاله النووي في شرح صحيح مسلم: (١/٨٠) .
(٣) صحيح مسلم: (المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء ١/١٣) .
(٤) صحيح مسلم: (المقدمة، باب إن الإسناد من الدين ١/١٥) .
(٥) انظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي: (ص٩٣) ، وعلوم الحديث لابن الصلاح: (ص٤٢٧) .

<<  <   >  >>