للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما فتحت الفتوحات وانتشر الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، منهم من دخل فيه رغبة، ومنهم من دخل فيه رهبة، ومنهم من أظهر الإسلام لكيد المسلمين وبث الفرقة والشقاق بينهم كعبد الله ابن سبأ اليهودي، الذي أظهر الإسلام في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان له دور كبير في إشعال الفتن في آخر خلافته، مما أدى إلى استشهاده رضي الله عنه، وما أعقب ذلك من فتن (١) .

لذلك احتاط الصحابة والتابعون في قبول الأخبار فلم يقبلوها إلاّ ممن عرفوا صدقه وعدالته، كما تقدم في قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقول ابن سيرين رحمه الله.

وقد سلك مسلكهم في الاحتياط في قبول الأخبار من جاء بعدهم من علماء أهل السنة من أتباع التابعين ومن بعدهم، واعتنوا بالأسانيد أيَّما عناية: فرحلوا في طلبها، وحفظوها، وحدثوا بها كما سمعوها، وحثوا تلاميذهم على العناية بها، وحذروهم من التساهل فيها، وتكلموا فيمن أخلَّ بها، وأقوالهم وتصرفاتهم ناطقة بذلك.

قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري رحمه الله: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له - يعني أهل الحديث - وكثرة مواظبتهم على حفظه؛ لدَرَسَ منارُ الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تَعرَّت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْراً" (٢) .


(١) انظر: كتاب: ابن سبأ حقيقة لا خيال للدكتور سعدي الهاشمي، وكتاب: عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان بن حمد العودة.
(٢) معرفة علوم الحديث: (ص٦) .

<<  <   >  >>