للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الأصل على زعمه، فلم يطع الأمر، واحتج على فضله بحجة، وهي: أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم، ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه، بل العكس. فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخلق، فكان في هذا عبرة عظيمة لمن رد شيئًا من أمر الله ورسوله، واحتج بما لا يجدي. فلما فعل، لم يعذره الله بهذا التأويل، بل طرده، ورفع آدم، وأسكنه الجنة. فكان مع عدو الله من الحفظ والفطنة ودقة المعرفة ما يجل عن الوصف، فتحيل على آدم حتى ترك شيئاً من أمر الله، وذلك بالأكل من الشجرة، واحتج لآدم بحجج. فلما أكل، لم يعذره الله بتلك الحجج، بل أهبطه إلى الأرض، وأجلاه من وطنه، ثم قال: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} ١. يقول تعالى: لأجلينّكم عن وطنكم، فإن بعد هذا الكلام، وهو أني أرسل إليكم هدى من عندي، لا أكلكم إلى رأيكم ولا رأي علمائكم، بل أنزل عليكم العلم الواضح الذي يبين الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، والنافع من الضار،: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ٢.

ومعلوم أن الهدى هو هذا القرآن. فمن زعم على أن القرآن لا يقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد، فقد كذَّب الله بخبره أنه هدى؛ فإنه على هذا القول الباطل لا يكون في حق الواحد من الآلاف المؤلفة ٣، وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم، بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع ما وجدت


١ سورة طه آية: ١٢٣.
٢ سورة النساء آية: ١٦٥.
٣ في طبعة الأسد وأبا بطين: (لا يكون هدى إلا في حق الواحد من الآلاف المؤلفة) .

<<  <   >  >>