للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوقائع؛ ولما لم تكن السنة بهذه المثابة: لا ترتيب بين الأحاديث بعضها مع بعض، وليست بمعجزة، ولم يتعبدنا الله تعالى بتلاوة لفظها، وأجاز لنا تغييره ما دامت المحافظة على المعنى متحققة، سواءٌ أكان ذلك بنفس اللفظ الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بغيره، لأجل ذلك كله لم يأمر صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث (١) .

* ثالثاً: أنه ما إن توفي النبي صلى الله عليه وسلم حتى كثر من يكتب الحديث من الصحابة والتابعين، حيث فهموا إذنه العام لكل من يرغب في ذلك ويقدر عليه، يدل عليه أنه قبيل وفاته أراد أن يكتب للمسلمين كتاباً لا يضلون بعده أبدا، فلم ير بذلك بأساً بعد أن أمن اختلاط السنة بالقرآن (٢) .

* رابعاً: أن تدوين الحديث الذي دعا إليه عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى– على رأس المائة الأولى، إنما كان المقصود به التدوين العام للأحاديث؛ ليكون هناك كتبٌ معتمدةٌ تُجمع وترتب فيها الأحاديث، ويتداولها عامة الناس، وليس هذا يعني أنّ الأحاديث لم تدوَّن من قبل، وهذا ما يرمي إليه الحافظ ابن حجر حين يقول: "إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة ... " (٣) ، وبدعوته هذه ينتهي الخلاف الذي وُجد عند الصدر الأول في كتابة الحديث،


(١) انظر: كتاب "توجيه النظر إلى أصول الأثر" لطاهر الجزائري ١: ٤٥، وكتاب "بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها" لعبد الغني عبد الخالق: ٤٣٦.
(٢) انظر: كتاب: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه" للدكتور الأعظمي ١: ٩٢، وكتاب "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" للدكتور أكرم العمري ٢٩٤، ٢٩٦، فقد ذكر الأول أمثلةً كثيرةً للصحابة وكبار التابعين ممن توفي قبل المائة أو قريباً منها، ولصغار التابعين ممن توفي بعد ذلك، ممن كتب الحديث أو كتب عنه، أو كان له صحيفةٌ أو كتاب.
(٣) انظر: "هدي الساري مقدمة فتح الباري": ٦.

<<  <   >  >>