للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كراهية أن يشتغل الناس برواية الحديث وينصرفوا عن تلاوة القرآن، وخشية الوقوع في الخطأ أو تسرب التحريف إلى السنة، والإقلال من الرواية كان سيراً سليماً على ما رسمه لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" (١) . كما سار الصحابة على طريق التثبت من الراوي والمروي فما اطمأنوا إليه قبلوه وما لم يطمئنوا إليه طلبوا عليه شاهداً، وما لم تقم البينة على صدقه ردوه، وكان تثبتهم قائماً على ميزان النقد العلمي الصحيح. ومنع الصحابة الرواة من أن يحدثوا بما يعلو على فهم العامة؛ لأن في هذا مدعاة إلى تكذيبهم للمحدث بما لا يفهمونه، ومدعاةً للخطأ والارتياب في الدين، فامتنعوا عن ذلك خشية أن يستغل أصحاب الأهواء ظاهر النصوص لصالح بدعهم وأهوائهم.

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود قال: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (٢) .

ومن أمثلة التثبت عند الصحابة ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ فقلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ج١ ص٦٠ ط الشعب.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ج١ ص٦٣ ط الشعب.

<<  <   >  >>