انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولم يترك وصية لمن يتولى الخلافة من بعده مكتفياً بتعاليمه الشريفة التي تضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة، وقد أكمل الله سبحانه وتعالى لهم الدين وأتم عليهم النعمة، قال تعالى:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}[المائدة:٣] وقد تمثلت سعادتهم في الأصلين الكريمين: الكتاب والسنة فحرصوا على حفظهما وحراستهما. ولا خوف على التراث النبوي في ظل الحياة المستقرة الآمنة ما دام بعيداً عن أعداء الدعوة وأهل الأهواء، أما حين تضطرب الحياة وتظهر العداوة والبغضاء والفتن والأهواء فحينئذٍ يخشى على التراث النبوي أن تمتد إليه أيدي مَنْ مردوا على البغي والعدوان.
وقد كان أول اهتزاز يخشى منه اضطراب الدولة الإسلامية ويشب بين المسلمين الخلاف من جرائه هو مسألة الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اختلف المهاجرون والأنصار فيمن يكون خليفة؛ واجتمعوا في السقيفة وبعد محاورة بينهم ومناقشة تداركهم الله بفضل منه، فانحسم الأمر وتمت البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان على الصديق أن يباشر مهام خلافته، وكانت أولى مسؤولياته الضخمة التي واجهته تلك الحركة المتمردة العنيفة التي تمثلت في المرتدين ومانعي الزكاة، وهي حركة لو قوبلت بلين وهوادة لهددت الدعوة وكانت خطراً جسيماً على المسلمين؛