دربهم ونسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة إفراد الحديث وخاصة على رأس المائتين في أوائل القرن الثالث الهجري.. فألفت المسانيد، ثم جاءت طبقة أخرى دَوَّنت السنة في كتب خاصة تحروا في تدوينها الصحيح على شروطهم وأفردت الحديث عن غيره، وجمعته على أبواب الفقه، واختارت الرواة المشهورين بالثقة، وبهذا يتضح أن تدوين السنةَ لم يأخذ وضعه في الظهور والتصنيف تماماً إلا في منتصف القرن الثاني في خلافة بني العباس، وإن كان قد بدأ قبل ذلك.
وكان لتدوين السنة على هذه المراحل أثره الجليل في حفظها من الدخيل، ومن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان لتدوين السنة على هذه المراحل أثره حيث سهَّل الطريق للاجتهاد والاستنباط.
بعد هذا كله أرى أن السنة النبوية كانت تكتب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه وإن وردت بعض الأخبار بالنهي عن كتابتها، فإنَّ إباحة الكتابة كانت جائزة لبعضهم، وكانت آخر ما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه، فلم يلحق بالرفيق الأعلى إلا وكتابة الحديث قائمة وقد حفظت في الصحف بجانب حفظها في الصدور، ولم تبق مهملة طوال القرن الأول إلى عهد عمر بن عبد العزيز، وأحاديث الإذن بالكتابة أكبر شاهد على ذلك. وهكذا كتبت الأحاديث، وحفظ الكثير منها في الصدور من لدن صدورها من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تلقفتها الصدور الواعية، والصحف الأمينة، وتناقلتها جيلاً بعد جيل إلى أن تسلمها منهم أهل القرن الثالث.