للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فنزل بعد حين: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ١ فقد أطلق العام مع إرادة الخاص، وبين بعد حين".

واعترض على هذا الدليل بأنا لا نسلم احتياج الآية إلى البيان، وإنما تحتاج إليه لو دخلت الملائكة وعيسى في عموم الآية، وهو ممنوع؛ لأن "ما" لغير من يعقل، فلا تتناول الملائكة ولا عيسى؛ ولهذا نقل في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن الزبعرى: "ما أجهلك بلغة قومك، أما علمت أن "ما" لما لا يعقل، و "من" لمن يعقل ٢ وإنما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} ٣ زيادة بيان لجهل المعترض لا بيانا للآية السابقة.

وإن سلم أن كلمة "ما" تشملهم فلا تحتاج الآية إلى البيان أيضا؛ لأن العقل يحكم بخروجهم عن الآية؛ لأن تعذيب الملائكة وعيسى –بذنب الغير، وهو عبادة الناس إياهم – غير جائز عقلا، وإنما يجوز تعذيبهم لو كانوا راضين بذلك، وهو مستحيل في حقهم.

فصل في توحيد الأسماء والصفات والمذهب الصحيح في ذلك

الإيمان بأسماء الله وصفاته

فإذا عرفت ما تقرر من توحيد العبادة فاعلم بأن إيماننا بما ثبت في نعوته -تعالى- كإيماننا بذاته المقدسة، إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري، ونميِّز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها، ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل، ونقول -كما قال السلف الصالح-: آمنا بالله على مراد الله، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٤ فالاستواء معلوم من الكتاب العزيز {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ٥.

وكل ما وصف الله به نفسه وجب الإيمان به، كما يجب الإيمان بذاته، والكيف


١ سورة الأنبياء آية: ١٠١.
٢ هذا ليس عليه طلاوة كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
٣ سورة الأنبياء آية: ١٠١.
٤ سورة الشورى آية: ١١.
٥ سورة فصلت آية: ٤٢.

<<  <   >  >>