للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: "أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضًا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصدٍ منه للقتل: في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدّي إلى التلف. . أو في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي" (١)

وقد احتج بهذه الآية عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أجنب ثم تيمم، وخشي إن اغتسل بالماء أن يهلك من شدة البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره على احتجاجه (٢)

وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [لبقرة: ١٩٥] .

والإلقاء: هو طرح الشيء، والمراد بالأيدي: الأنفس، عبّر بالبعض عن الكل، بناء على أن أكثر أفعال النفس بالأيدي، والتهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكًا وهُلْكًا وتهلكة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك (٣)

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "والإلقاء باليد إلى التهلكة، يرجع إلى أمرين: لترْك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح (٤)


(١) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٥٦-١٥٧، وانظر نحوه في فتح القدير ١ / ٤٥٧.
(٢) انظر: تفسير القاسمي ٥ / ١٢٠٣-١٢٠٤، وتفسير ابن كثير ٢ / ٢٣٥، والحديث رواه أبو داود: ٣٣٤، وأحمد في المسند ٤ / ٢٠٣-٢٠٤، والحاكم ١ / ١٧٧، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» ١ / ١٨١، وقال: صححه النووي، وقواه ابن حجر.
(٣) انظر: تفسير القاسمي ٣ / ١٩٥، وفتح القدير ١ / ١٩٣.
(٤) وذلك كترك الأكل أو الشرب، أو ترك السعي لتحصيلهما مع القدرة على ذلك، حتى يدركه الموت بسبب الجوع أو العطش، وكترك الجهاد في سبيل الله والإنفاق فيه، الموجب لتسلط الأعداء وقتلهم للمسلمين، وتركُ الجهاد والنفقةِ فيه، هو سبب نزول هذه الآية، انظر في سبب نزولها: تفسير ابن كثير ١ / ٣٣١، والجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٦١-٣٦٣، وفتح القدير ١ / ١٩٣، وقد قال الشوكاني: «والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا، فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري» .

<<  <   >  >>