اللهم نفق سوق الوفاء فقد كسدت، وأصلح قلوب الناس فقد فسدت، ولا تمتني حتى يبور الجهل كما بار العقل، ويموت النقص كما مات العلم.
وأقول: اللهم اسمع واستجب، فقد برح الخفاء، وغلب الجفاء، وطال الانتظار، ووقع اليأس، ومرض الأمل، وأشفى الرجاء، والفرج معدوم، وأظن أن الداء في هذا الباب قديم، والبلوى فيه مشهورة، والعجيج منه معتاد.
فأول ذلك أني قلت لأبي سليمان محمد بن طاهر السجستاني: إني أرى بينك وبين ابن سيار القاضي ممازجة نفسية، وصداقة عقلية، ومساعدة طبيعية، ومواتاة خلقية. فمن أين هذا؟ وكيف هو؟ فقال: يا بني! اختلطت ثقتي به بثقته بي، فاستفدنا طمأنينة وسكوناً لا يرثان على الدهر، ولا يحولان بالقهر، ومع ذلك فبيننا بالطالع، ومواقع الكواكب مشاكلة عجيبة، ومظاهرة غريبة، حتى أنا نلتقي كثيراً في الإرادات، والاختيارات، والشهوات، والطلبات، وربما تزاورنا فيحدثني بأشياء جرت له بعد افتراقنا من قبل، فأجدها شبيهة بأمور حدثت لي في ذلك الأوان حتى كأنها قسائم بيني وبينه، أو كأني هو فيها، أو هو أنا، وربما حدثته برؤيا فيحدثني بأختها فنراها في ذلك الوقت أو قبله بقليل، أو بعده بقليل.
قال: ورأيته قد ملكه التعجب من هذا وشبهه فحدثته بما تنقاسمه من قوى الفلك، وأن سهامنا واحدة، وأنصباءنا منها متساوية، أو قريبة من التساوي، فعجب وازداد بصيرة في إخلاص الصداقة، وتوكيد العلاقة.