فقلت لأبي سليمان: كيف يصح هذا، وأنت مطالبك في الفلسفة، وصورك مأخوذة من الحكمة، وجعبتك مجموعة من الحقائق، وخوضك في الغوامض والدقائق، وذاك رجل في عداد القضاة، وجلة الحكام، وأصحاب القلانس، ومخاضه الظاهر الذي عليه الجمهور، ومأخذه مما عليه السواد الأعظم.
فقال: هذا هو الذي انفردنا عنه بعد أن ازدوجنا عليه والأصل أبداً مخالف للفرع، لا خلاف الضد للضد، ولكن خلاف الشكل للشكل، وكانت مشتريه خالياً من قوة زحل، فبرز في حلبة القضاة، وكان المشتري لي مقتبساً من زحل، فظهرت بما ترى، فجمعتنا المشاكلة على العلم، وفرقنا الاختلاف بالفن.
قلت: هذا والله طريف، ومما يزيد في طرافته أنك من سجستان وهو من الصيمرة. فقال: الأمكنة في الفلك أشد تضاماً من الخاتم في أصبعك، وليس لها هناك هذا البعد الذي تجده بالمسافة الأرضية من بلد إلى بلد بفراسخ تقطع، وجبال تعلى، وبحار تخرق.
فقلت: هل تجد عليه في شيء أو يجد عليك في شيء؟ فقال: وجدي به في الأول قد حجبني عن موجدتي عليه في الثاني، على أنه يكتفي مني فيما خالف هواي باللمحة الضئيلة، وأكتفي أنا أيضاً منه في مثل ذلك بالإشارة القليلة، وربما تعاتبنا على حال تعرض على طريق الكناية عن غيرنا كأننا نتحدث عن قوم آخرين، ويكون لنا في ذلك مقنع، وإليه