وكتب آخر: ما أعلمني أن في سعة صدرك، وفضل رأيك، وعلو قدرك، ويمن تبيرك، وشدة تحصيلك، وما مكن الله لك من سلطانك ما أغنى عن مسألتي عما أراه في أمري، فوالله ما حلت لك عن عهد، ولا من موالاة إلى عداوة، ولا عن وفاة إلى غدر، ولا عن شكر إلى كفر، ولا قصرت فيما ظننت إنه يقضي عني الحق بما بلغته الطاقة والوسع، فإن تكن الدنيا بلغتني ما لا يجدي معه سعي، فذلك على الزمان لا علي:
ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد
فوالله ما كنت بذميم العهد لك في شدة ولا رخاء، ولا في حال سراء ولا ضراء، على قدر ما تبلغه طاقتي وتناله يدي، وليس من قصر به القدر بملوم على تصير، ولا من نصح بالنية إذا أعجزه الفعل بمعدود في أهل الغش.
كاتب: وإن الذي " يعلم السر وأخفى " ليعلم أني لم أحل لك عن عهد، ولا رجعت لك عن ود، ولا انطويت لك على غل، في وقت رخاء، ولا شدة، ولا نعمة، ولا محنة، ولا خلفتك بقبيح في نفس، ولا مال، ولا عرض من الأعراض، اللهم إلا أن تكون تعتد علي بعتاب أجريته بيني وبينك في بعض ما يعاتب الصديق صديقه، وما ظننت أن ذلك يخرج عن طريق المودة، ولا يوجب العداوة والجفوة، لأنه أمر سلكت فيه سبيل نصيحة لم أمل فيه إلى غش لك ولا خيانة، وربما احتملت للناصح الكلمة المرة، ولم تخرجه عن حد الأمانة والثقة، وإن كان مخطئاً في المشورة، لأنه قد اجتهد عند نفسه ولم يرد سوءاً ولا غائلة.