قلوبهم، وتصرف حالاتهم ونياتهم واختلافهم، لما تشعبوا من أصلهم، ولا ائتلف منهم اثنان بعد تشعبهم، ولا بد فيما يحدث بين الناس من علل الوحشة، وأسباب العداوة والفرقة، ويجري بينهم من المودة ودواعي الصلة من سابق ومسبوق، وداع ومجيب، فسابق إلى قطيعة يجتني بها من صاحبه الوحشة، ومبتدئ بصلة يجتلب بها من صاحبه الثقة، ويزرع بها في قلبه المقة، وقد بلغني عنك في وفائك وفضلك ما حركني لودك، ورغبتي في خلتك، ودعاني إلى طلب فضلك، فأجبت دعاءك إلى الصلة والملاطفة بما أحسست لك من الثقة، وحدث لي فيك من الرغبى، فاقبل ما بدا لك من ودنا، وأحسن الإجابة إلى ما دعوناك إليه من إخائنا، واتبعنا بإحاسن إذ كان الابتداء منا، فإن المجيب إلى الجميل شريك الراغب فيه وإن المكافئ به شكل لمسديه، ولا تركهن أن تكون لنا إذ دعوناك مجيباً، وإذ سبقناك بالفضيلة تابعاً، فأنا قد أحسنا إجابة فضلك، واعلم أنك لو كنت سبقتنا إلى الصلة، وتقدمتنا إلى الرغبة، وطلبت فضلنا عليك بالمودة كنت بذلك للطول أهلاً، وبه جديراً، لأن مثلك في فذلك عطف نفسه على نفسه، ومثلنا رغب في صلته.
الحسن بن وهب إلى أبي صالح: لولا اتكالي عليك، لكثرت كتبي إليك، وإذا استحكمت الثقة نقص البر، لما يدخل النفوس من الكسل عن العمل، والاسترسال إلى الاتكال.
فكتب إليه أبو صالح وكتب في آخره:
يا مشفقاً حذراً على ودي له ... كن كيف شئت فإنني بك واثق