اختلاف العباد في جميع الأمور من علتين: إما جهل بما يدعون، وإما جحد لما يعرفون، والجاهل بما يدعي أرجى رجعة من الجاحد لما يعرف، وإن كان لا عذر له في ترك علم ما يجهل، كملا لا عذر لأحد في جحد معروف، ولست أدري إذا ناضحت حجته أي حاليه أولى بالتعانيف، أجهله من جميل كنت أفعله؟ أم جحده بعد تعريف وتوقيف؟ وما اقتصرت بك على أدنى حال الإنصاف ألا أكون راجية أن أجدك في أفضلها، ولكني نهضت إلى الانتصاح من لا يميل بواضح يغنيني عن شبه المعاذير، ولم آمن مع ذلك أن تظني أني إلى مشكلات الأمور مضطرة، ولم أكن لأقدم الوهن، وأخلف القوة، ومع ذلك فإن من الحق ما يخبئ نار اللجاجة، ومنه ما يذكيها، فأتيتك من أقرب مأتاك، فلا يكونن ما أفدت به رضاك علة لمنعه فإن هذه التي انتصلت علتها قبل اللجاجة والأراجيف ابتدأت في مقارعة القطيعة والصلة ووقفت بينهما موقف المراهنة، ولك، أصلحك الله، طول على العتب وعى ذل الاعتذار، فلا يمطمس ذلك نور ما يرد عليك فإني أعتد عليك خصالاً في كلها ضربت الأمثال منها قول أكثم بن صيفي: الجود بالمجهود منتهى الجود، وأنت تعلمين أن مجهودي كله كان لك، ومنه قول النابغة:
إذا كان مجبولاً على النصح صاحبي ... عفا النصح عما زل من حيث لا يدري
وما استزدتني نصيحة قط، ولا اتهمتني على غش، ومنه قول طرفة:
ما لي إليك شفيع أستعين به ... إلا رجائي وإفراديك بالأمل
وما استبطأتك في أمر قطن ولا أشرت بأملي إلى سواك، فأي مدخل المتهمة مع ذه الحال، وإن أجمع لصفة ما بيننا كقول الأعشى: