هذه أعيان وسائلي التي نافرت إليها عتبك، واستعفيت من جحدها علمك، فأما ما يأخذه التخلق ويكون مثله على بعض الإخوان من بعض الشبهة من إيثار الهوى، وتحري الموافقة، والصبر على الجفوة، فذاك الذي إن ضرب لي سهم في إنصافك فقد ينال ذلك بأقل مما كنت تدعينه، وأما الغيبة فيما بيني وبينك، فقد أمكنك من ذلك الاعتداد به، ومحاكمتك إلى ما هو أرجى منه.
كاتب: واعلم أن الشجر يتفاضل في الثمر، فرب شجرة طيبة الحمل قليلته، وأخرى خبيثة الحمل كثيرته، وكذلك العلماء، فلا يمنعك من عالم وعليك بحسن الاقتباس، والصبر على الناس، فإنك إن كنت لا تصحب إلا المهذبين من أهل العقول، ولم تصبر من الناس على الفضول، عدمت الحلم، ونسيت العلم، واعلم أن في الناس حكمة، ومجالستهم تجلو بعض الظلمة، فاحتملهم على المخالفة وتمويه المصادقة، واقتبس منهم المحاسن، وتجاف عن المساوئ، واعلم أن الأخلاء ثلاثة أصناف: فرع بائن من أصله، وأصل متصل بفرعه، وفرع ليس له أصل، فأما الفرع البائن من أصله فإخاء بني على مودة ثم انقضت فحافظ على ذمام الصحبة، وأما الأصل المتصل بفرعه فإخاء أصله الكرم، وأغصانه الهوى، وأما الفرع الذي ليس له أصل فالمموه الظاهر الذي ليس له باطن، ولهذه الصنوف علامات تدل عليها هذه الحالات.
ومن الإخوان كالجوهر، منه مموه مصنوع، وبعضه خالص مطبوع، فاعرف الرجال بالخبر، كما تسبر الجوهر بالبصر، واعلم أن ثقات الإخوان، بقدر ما يستوجبون من الائتمان، فإن ميزان الكرام عادل، وصاعهم كامل،