ومن المعروف أن هذه العادات عربية قديمة لما تزل لها مثيلاتها في هذه المنطقة أو تلك من مناطق المشرق العربي، والمسيحية نفسها ديانة عربية أرامية، كما اليهودية .. ولعل المدقق والمتفحص لعادات الشعوب القديمة في جبل الأطلس وجبال لبنان وعسير وردفان يجد تشابها كبيرا، لنأخذ مثلا نظرة القداسة للماء، بل أن هذه النظرة تشبه نظرة تقديس الماء عند الهنود ...
لقد دافع الزواوة عن دينهم، ولعلهم كانوا أكثر دقة في تحديده فالزواوي العادي لا يفرق بين العربي والمسلم، فما دام ٨٠% أو أكثر من العرب هم من المسلمين أفلا يصح تسميتهم بدينهم، أو لا تتبع القلة الكثرة ويعتبر ذلك في هذا العصر من أصول الديمقراطية؟ والزواوة أبدعوا داخل هذا الفهم "العربي - الإسلامي" في مختلف مجالات العلوم، بل لا نكاد نجد لهم إبداعات حضارية ونظاما تعليميا خارج الحضارة العربية، رغم ما تحاوله بعض الأبحاث المشكوك في نزاهتها ...
ويذكر أبو يعلى في فصله المخصص للزوايا عند الزواوة عددا من العلماء الذين تخرجوا من هذه الزوايا ويذكر أهمية الزاوية كمدرسة وجامعة ومسجد ومأوى للغرباء والمسافرين وهو يفاخر بها ويعتز، خاصة وأن هذه الزوايا تقوم على نظام شعبي حضاري لم تعرفه أوروبا إلا في عصورها المتأخرة هذه.
وكم كنت أتمنى لو أن مؤرخنا أفاض بالحديث عن هذه النقطة، ولعل عذره هو أنه يكتب في ظروف جد صعبة فالاستعمار الاستيطاني الفرنسبي قد ظهر في أعقاب الحرب العالمية في أكثر صوره شراسة ضد الشعب الجزائري وخصوصا الزواوة وزواياهم فقد دمر حتى ذلك الوقت آلاف القرى والمداشر