للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: {وَأعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: ٩٨] .

قال ابن زيد: فى أموري. وقال الكلبي: عند تلاوة القرآن، وقال عكرمة: عند النزع والسياق، فأمره أن يستعيذ من نوعي شر إصابتهم له بالهمز وقربهم ودنوهم منه.

فتضمنت الاستعاذة أن لا يمسوه ولا يقربوه، وذكر ذلك سبحانه عقيب قوله: {ادْفَعْ بِالتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيَئةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بمَا يصِفُونَ} [المؤمنون: ٩٦] .

فأمره أن يحترز من شر شياطين الإنس بدفع إساءتهم إليه بالتى هى أحسن، وأن يدفع شر شياطين الجن بالاستعاذة منهم.

ونظير هذا قوله فى سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] .

فأمره بدفع شر الجاهلين بالإعراض عنهم، ثم أمره بدفع شر الشيطان بالاستعاذة منه فقال: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ٢٠٠] .

ونظير ذلك قوله فى سورة فصلت: {وَلا تَسْتَوِى الحسَنَةُ وَلا السيَّئِّةُ ادْفَعْ بِالتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإذَا الّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤] .

فهذا لدفع شر شياطين الإنس ثم قال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [فصلت: ٣٦] وقال هاهنا: {إنه هو السميع العليم} [فصلت: ٣٦] ، فأكد بإن وبضمير الفصل وأتى باللام فى {السميع العليم} [فصلت: ٣٦] . وقال فى الأعراف: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ٢٠٠] .

وسر ذلك- والله أعلم- أنه حيث اقتصر على مجرد الاسم ولم يؤكده أريد إثبات مجرد الوصف الكافى في الاستعاذة والإخبار بأنه سبحانه يسمع ويعلم، فيسمع استعاذتك فيجيبك ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك، فالسمع لكلام المستعيذ والعلم بالفعل المستعاذ منه، وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة، وهذا المعنى شامل للموضعين، وامتاز المذكور فى سورة فصلت بمزيد التأكيد والتعريف والتخصيص؛ لأن سياق ذلك بعد إنكاره سبحانه على الذين شكوا فى سمعه لقولهم وعلمهم به، كما جاء فى الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: "اجتمع عند البيت ثلاثة نفر قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فقالوا: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، فقال الآخر: إن سمع بعضه سمع كله، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصاَرُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلِكنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مما تَعْمَلُونَ} إلى قوله: {فَأَصْبَحْتُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>