هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعاً، والمتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها، فإنهم توسعوا في ذلك، وقصروا فى هذا الباب.
ومن تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس، فإن النفس المذمومة ذكرت فى قوله:{إِن النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣] .
واللوامة فى قوله:{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوَّامَةِ}[القيامة: ٢] .
وذكرت النفس المذمومة فى قوله:{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات: ٤٠] .
وأما الشيطان فذكر فى عدة مواضع، وأفردت له سورة تامة. فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس، وهذا هو الذى لا ينبغي غيره، فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته، فهى مركبه وموضع شره، ومحل طاعته، وقد أمر الله سبحانه بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذا لشدة الحاجة إلى التعوذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس فى موضع واحد، وإنما جاءت الاستعاذة من شرها فى خطبة الحاجة فى قوله صلى الله عليه وسلم:"وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا".
كما تقدم ذلك فى الباب الذى قبله.
وقد جمع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بين الاستعاذة من الأمرين فى الحديث الذى رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة رضى الله عنه: