ثانيا؟ وأفضل الفكر الفكر فى ذلك؛ فإنه يُسَيِّر القلبَ إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلا خاضعًا منكسراً كسراً فيه جبره، ومفتقرًا فقراً فيه غناه. وذليلاً ذلاً فيه عزه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل؛ فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم حدثنا صالح المدني عن أبي عمران الجونى عن أبي الخلد أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: "إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجنى حين تناجيني بقلب وجل ولسان صادق".
ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه
أن لا يتركه ذلك يُدِلُّ بعمل أصلا كائنا ما كان، ومن أدلَّ بعمله لم يصعد إلى الله تعالى كما ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل:"إني لأقوم في صلاتى؛ فأبكى حتى يكاد ينبت البقل من دموعى؛ فقال له: إنك إن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك خير من أن تبكى وأنت مدل بعملك. فإن صلاة المُدلِّ لا تصعد فوقه. فقال له: أوصنى، قال: عليك بالزهد فى الدنيا، وأن لا تنازعها أهلها، وأن تكون كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا، وإن وضعت وضعت طيبا، وإن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره، وأوصيك بالنصح لله عز وجل نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم، وينصحهم".
وقال الإمام أحمد: حدثنا سيار: حدثنا جعفر: حدثنا الجريرى قال: "بلغنى أن رجلاً من بني إسرائيل كانت له إلى الله عز وجل حاجة. فتعبد واجتهد، ثم طلب إلي الله تعالى حاجته، فلم ير نجاحا، فبات ليلته مزريا على نفسه. وقال: يا نفس، مالك لا [تقضى] حاجتك؟ فبات محزونا قد أزرى على نفسه وألزم الملامة نفسه، فقال: أما والله ما من قِبَل ربى أتيت ولكن من قِبَل نفسى أتِيت، فبات ليلته مزرياً، وألزم نفسه الملامة، فقضيت حاجته".