وذكر أحمد أيضا عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال "كان داود عليه السلام ينظر أغمص حلقة فى بني إسرائيل فيجلس بين ظهرانيهم، ثم يقول: يا رب مسكين بين ظهرانى مساكين".
وذكر عن عمران بن موسى القصير قال: قال موسى عليه السلام: "يا رب أين أبغيك؟ قال: ابغنى عند المنكسرة قلوبهم، فإني أدنو منهم كل يوم باعا، ولولا ذلك انهدموا".
وفى كتاب الزهد للإمام أحمد:"أن رجلا من بنى إسرائيل تعبد ستين سنة فى طلب حاجة. فلم يظفر بها. فقال فى نفسه: والله لو كان فيك خير لظفرت بحاجتك، فأتى فى منامه، فقيل له: أرأيت ازدراءك على نفسك تلك الساعة؟ فإنه خير من عبادتك تلك السنين".
ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله تعالى عليه. ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهى قليلة المنفعة جدا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج: حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال: "بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع، فقال: يا رب ارحمه، فإني قد رحمته، فأوحى الله تعالى إليه: لو دعاني حتى تنقطع قواه ما استجيب له حتى ينظر فى حقي عليه".
فمن أنفع ما للقلب النظر فى حق الله على العبد. فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزدراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي الله، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
فمن نظر فى هذا الحق الذى لربه عليه علم علم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.
فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذى أيأسهم من أنفسهم، وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.
وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون فى حقهم على الله، ولا ينظرون فى حق الله عليهم. ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحجبت قلوبهم عن معرفته، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد فى حق الله عليه أولا، ثم نظره هل قام به كما ينبغي