الباب السادس: فى أنه لا سعادة للقلب، ولا لذة، ولا نعيم، ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده، وهو معبوده وغاية مطلوبه، وأحب إليه من كل ما سواه.
معلوم أن كل حَىّ سوى الله سبحانه: من ملك أو إنس أو جن أو حيوان، فهو فقير إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ولا يتم ذلك له إلا بتصوره للنافع والضار، والمنفعة من جنس النعيم واللذة، والمضرة من جنس الألم والعذاب.
فلا بد له من أمرين: أحدهما معرفة ما هو المحبوب المطلوب الذى ينتفع به ويلتذ بإدراكه، والثانى: معرفة المعين الموصل المحصل لذلك المقصود. وبإزاء ذلك أمران آخران، أحدهما: مكروه بغيض ضار، والثانى: معين دافع له عنه، فهذه أربعة أشياء:
أحدها: أمر هو محبوب مطلوب الوجود. الثانى: أمر مكروه مطلوب العدم. الثالث: الوسيلة إلى حصول المطلوب المحبوب. الرابع: الوسيلة إلى دفع المكروه.
فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد، بل ولكل حيوان لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها.
فإذا تقرر ذلك، فالله تعالى هو الذى يجب أن يكون هو المقصود المدعو المطلوب، الذى يراد وجهه، ويبتغى قربه، ويطلب رضاه، وهو المعين على حصول ذلك. وعبودية ما سواه والالتفات إليه، والتعلق به: هو المكروه الضار، والله هو المعين على دفعه، فهو سبحانه الجامع لهذه الأمور الأربعة دون ما سواه. فهو المعبود المحبوب المراد. وهو المعين لعبده على وصوله إليه وعبادته له. والمكروه البغيض إنما يكون بمشيئته وقدرته، وهو المعين لعبده على دفعه عنه، كما قال أعرف الخلق به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أَعُوذ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ