فمنه المنجى، وإليه الملجأ، وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته، فالإعاذة فعله، والمستعاذ منه فعله، أو مفعوله الذى خلقه بمشيئته.
فالأمر كله له، والحمد كله له، والملك كله له، والخير كله فى يديه، لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثنى عليه كل أحد من خلقه.
فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب، لكن على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذى يستعان به على المطلوب.
فالأول: من معنى ألوهيته، والثانى: من معنى ربوبيته، فإن الإله هو الذى تألهه القلوب: محبة، وإنابة، وإجلالا، وإكراما، وتعظيما، وذلا، وخضوعا، وخوفا ورجاء، وتوكلا. والرب تعالى هو الذى يربى عبده، فيعطيه خلقه، ثم يهديه إلى مصالحه فلا إله إلا هو ولا رب إلا هو، فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل، فكذلك إلهية ما سواه.
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين فى مواضع من كتابه كقوله:
{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ}[هود: ١٢٣] وقوله عن نبيه شعيب {وَمَا تَوْفِيقِى إلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود: ٨٨] وقوله {وَتَوَكّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ وَسَبِّحِْ بحمدِهِ}[الفرقان: ٥٨] وقوله: {وَتَبَتّلْ إِلَيْهِ تَبْتيلاً رَبُّ المشْرِقِ والمغْرِبِ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}[المزمل: ٨-٩] وقوله {قُلْ هُوَ رَبّى لاَ إِلهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الرعد: ٣٠] وقوله عن الحنفاءِ أتباع إبراهيم عليه لسلام {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكّلْنَا وَإلَيْكَ أنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصِيُر}[الممتحنة: ٤] .