فالقرآن أرشد إلى دفع هذين العدوين بأسهل الطرق بالاستعاذة والإعراض عن الجاهلين ودفع إساءتهم بالإحسان. وأخبر عن عظم حظ من لَقَّاه ذلك فإنه ينال بذلك كف شر عدوه وانقلابه صديقا، ومحبة الناس له، وثناءهم عليه، وقهر هواه، وسلامة قلبه من الغل والحقد وطمأنينة الناس- حتى عدوه- إليه. هذا غير ما يناله من كرامة الله وحسن ثوابه ورضاه عنه، وهذا غاية الحظ عاجلاً وآجلاً، ولما كان ذلك لا ينال إلا بالصبر قال:{وما يُلَقَّاها إلا الذين صبروا}[فصلت: ٣٥] فإن النَّزِق الطائش لا يصبر على المقابلة.
ولما كان الغضب مركب الشيطان، فتتعاون النفس الغضبية والشيطان على النفس المطمئنة التى تأمر بدفع الإساءة بالإحسان - أمر أن يعاونها بالاستعاذة منه، فتُمِدّ الاستعاذة النفس المطمئنة فتقوى على مقاومة جيش النفس الغضبية، ويأتي مدد الصبر الذى يكون النصر معه، وجاء مدد الإيمان والتوكل، فأبطل سلطان الشيطان:
والصواب: أن يقال: ليس له طريق يتسلط به عليهم: لا من جهة الحجة، ولا من جهة القدرة. والقدرة داخلة فى مسمى السلطان، وإنما سميت الحجة سلطانا؛ لأن صاحبها يتسلط بها تسلط صاحب القدرة بيده، وقد أخبر سبحانه أنه لا سلطان لعدوه على عباده المخلصين المتوكلين، فقال فى سورة الحجر: