وهذا وإن كان قوله فالله سبحانه أخبر به عنه مقرراً له، لا منكرا، فدل على أنه كذلك.
قيل: هذا سؤال جيد. وجوابه: أن السلطان المنفي فى هذا الموضع: هو الحجة والبرهان، أى ما كان لي عليكم من حجة وبرهان أحتج به عليكم، كما قال ابن عباس:"ما كان لي من حجة أحتج بها عليكم" أى: ما أظهرت لكم حجة إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى، وصدقتم مقالتي، واتبعتمونى بلا برهان ولا حجة. فأما السلطان الذي أثبته فى قوله:{إِنَّما سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}[النحل: ١٠٠] .
فهو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يؤزُّهم إلى الكفر والشرك ويزعجهم إليه، ولا يدعهم يتركونه كما قال تعالى:{أَلمْ تَرَ أَنَّا أرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أزا}[مريم: ٨٣] .
قال ابن عباس:"تغريهم إغراء" وفى رواية: "تشليهم إشلاء" وفى لفظ: "تحرضهم تحريضا" وفى آخر: "تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا" وفى آخر: "توقدهم" أى تحركهم كما يحرك الماء بالإيقاد تحته، قال الأخفش:"توهجهم".
وحقيقة ذلك: أن "الأزَّ" هو التحريك والتهييج، ومنه يقال لغليان القدر: الأزيز؛ لأن الماء يتحرك عند الغليان. ومنه الحديث:"لجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء".
قال أبو عبيدة "الأزيز" الالتهاب والحركة، كالتهاب النار فى الحطب، يقال: إزَّ قِدْرَك، أى ألْهِب تحتها بالنار، وأيزت القدر إذا اشتد غليانها، فقد حصل للأزِّ معنيان: أحدهما: التحريك، والثاني: الإيقاد والإلهاب، وهما متقاربان، فإنه تحريك خاص بإزعاج وإلهاب.
فهذا من السلطان الذي له على أوليائه وأهل الشرك، ولكن ليس له على ذلك سلطان حجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم، لما وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم، بموافقته ومتابعته فلما أعطوا