وكذلك فعل بالراهب الذى قتل المرأة وولدها، أمره بالزنا ثم بقتلها، ثم دل أهلها عليه، وكشف أمره لهم، ثم أمره بالسجود له، فلما فعل فر عنه وتركه. وفيه أنزل الله سبحانه:
وهذا السياق لا يختص بالذى ذكرت عنه هذه القصة، بل هو عام فى كل من أطاع الشيطان فى أمره له بالكفر، لينصره ويقضى حاجته، فإنه يتبرأ منه ويسلمه كما يتبرأ من أوليائه جملة فى النار، ويقول لهم:{إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}[إبراهيم: ٢٢] .
فأوردهم شر الموارد وتبرأ منهم كل البراءة.
وتكلم الناس فى قول عدو الله {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ}[الأنفال: ٤٨] فقال قتادة وابن إسحاق: "صدق عدو الله فى قوله {إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْن}[الأنفال: ٤٨] وكذب فى قوله {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ}[الأنفال: ٤٨] والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة فأوردهم وأسلمهم. وكذلك عادة عدو الله بمن أطاعه".
وقالت طائفة:"إنما خاف بطش الله تعالى به فى الدنيا، كما يخاف الكافر والفاجر أن يقتل أو يؤخذ بجرمه، لا أنه خاف عقابه فى الآخرة". وهذا أصح، وهذا الخوف لا يستلزم إيمانا ولا نجاة.
قال الكلبى:"خاف أن يأخذه جبريل فيعرفهم حاله فلا يطيعونه".
وهذا فاسد، فإنه إنما قال لهم ذلك بعد أن فر ونكص على عقبيه، إلا أن يريد أنه إذا عرف المشركون أن الذى أجارهم وأوردهم إبليس لم يطيعوه فيما بعد ذلك، وقد أبعد النجعة إن أراد ذلك، وتكلف غير المراد.
وقال عطاء:"إنى أخاف الله أن يهلكنى فيمن يهلك"، وهذا خوف هلاك الدنيا فلا ينفعه.