وخرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه يوماً وهو خليفة فى حاجة له ماشيا، فأعيى، فرأى غلاماً على حمار له، فقال: يا غلام احملنى فقد أعييت، فنزل الغلام عن الدابة، وقال: اركب يا أمير المؤمنين، فقال: لا، اركب أنت وأنا خلفك، فركب خلف الغلام، حتى دخل المدينة والناس يرونه.
فصل
ومن كيده: أنه يغرى الناس بتقبيل يده، والتمسح به، والثناء عليه، وسؤاله الدعاء، ونحو ذلك، حتى يرى نفسه، ويعجبه شأنها، فلو قيل له: إنك من أوتاد الأرض، وبك يدفع البلاء عن الخلق، ظن ذلك حقا، وربما قيل له: إنه يتوسل به إلى الله تعالى ويسأل الله تعالى به وبحرمته، فيقضى حاجتهم، فيقع ذلك فى قلبه، ويفرح به، ويظنه حقا، وذلك كل الهلاك، فإذا رأى من أحد من الناس تجافيا عنه، أو قلة خضوع له، تذمر لذلك ووجد فى باطنه، وهذا شر من أرباب الكبائر المصرين عليها، وهم أقرب إلى السلامة منه.
فصل
ومن كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطإ، وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم.
فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع: رحمانية، وشيطانية، ونفسانية، كالرؤيا، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقانه إلى الموت، والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، والعصمة إنما هى للرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم وسائط بين الله عز وجل وبين خلقه، فى تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده، ومن عداهم يصيب ويخطئ، وليس بحجة على الخلق.
وقد كان سيد المحدثين الملهمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يقول الشىء فيرده عليه