وربما عللوا الحنث بأنه أراد أن يجزم الطلاق، ثم ندم، فوصله بما لا يفيد ليرفعه.
وأما فى القسم الأول: فأصله فيه: تغليب الحنث بالشك، كمن حلف ثم شك: هل حنث أم لا، فإنهم يأمرونه بفراق زوجته، وهل هو للوجوب أم للاستحباب؟ على قولين، الأول: لابن القاسم، والثانى: لمالك.
فمالك يراعى بقاء النكاح، وقد شككنا فى زواله، والأصل البقاء. وابن القاسم يقول: قد صار حل الوطء مشكوكاً فيه، فيجب عليه مفارقتها. والأكثرون يقولون: لا يجب عليه مفارقتها، ولا يستحب له، فإن قاعدة الشريعة: أن الشك لا يقوى على إزالة الأصل المعلوم، ولا يزول اليقين إلا بيقين أقوى منه، أو مساو له.
فصل
وأما من طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها، أو طلق واحدة مبهمة ولم يعينها، فقد اختلف الفقهاء فى حكم هذه المسألة على أقوال:
فقال أبو حنيفة، والشافعى، والثورى، وحماد: يختار أيتهن شاء، فيوقع عليها الطلاق فى المبهمة. وأما فى المنسية. وأما فى المنسية فيمسك عنهن وينفق عليهن، حتى ينكشف الأمر. فإن مات الزوج قبل أن يقرع، فقال أبو حنيفة: يقسم بينهن كلهن ميراث امرأة.
وقال الشافعى:"يوقف ميراث امرأة حتى يصطلحن".
وقالت المالكية: إذا طلق واحدة منهن غير معلومة عنده، بأن قال: أنت طالق، ولا يدرى من هى. طلق الجميع. وإن طلق واحدة معلومة ثم أنسيها، وقف عنهن حتى يتذكر. فإن طال ذلك ضرب له مدة المولى. فإن تذكر فيها وإلا طلق عليه الجميع ولو قال: إحداكن طالق، ولم يعينها بالنية طلق الجميع.
وقال أحمد:"يقرع بينهن فى الصورتين"، نص على ذلك فى رواية جماعة من أصحابه، وحكاه عن على وابن عباس.
وظاهر المذهب الذى عليه جل الأصحاب: أنه لا فرق بين المبهمة والمنسية.