قال الآخرون: أصل الحدث قد زال بيقين الطهارة، فصارت هى الأصل، فإذا شككنا فى الحدث رجعنا إليه، فأين هذا من الوسواس المذموم شرعاً، وعقلاً وعرفاً؟.
فصل
وأما قولكم: إن من خفى عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله: فليس هذا من باب الوسواس، وإنما ذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به. فإنه قد وجب عليه غسل جزء من ثوبه ولا يعلمه بعينه، ولا سبيل إلى العلم بأداء هذا الواجب إلا بغسل جميعه.
فصل
وأما مسألة الثياب التى اشتبه الطاهر منها بالنجس، فهذه مسألة نزاع.
فذهب مالك، فى رواية عنه، وأحمد: إلى أنه يصلى فى ثوب بعد ثوب، حتى يتيقن أنه صلى فى ثوب طاهر.
وقال الجمهور، ومنهم أبو حنيفة، والشافعى، ومالك، فى الرواية الأخرى: إنه يتحرى فيصلى فى واحد منها صلاة واحدة، كما يتحرى فى القبلة.
وقال المزنى وأبو ثور:"بل يصلى عرياناً ولا يصلى فى شىء منها، لأن الثوب النجس فى الشرع كالمعدوم، والصلاة فيه حرام، وقد عجز عن السترة بثوب طاهر، فيسقط فرض السترة"، وهذا أضعف الأقوال.
والقول بالتحرى هو الراجح الظاهر، سواء كثر عدد الثياب الطاهرة أو قل. وهو اختيار شيخنا. وابن عقيل يفصل، فيقول:"إن كثر عدد الثياب تحرى دفعاً للمشقة، وإن قل عمل باليقين".
قال شيخنا:"اجتناب النجاسة من باب المحظورات، فإذا تحرى وغلب على ظنه طهارة ثوب منها فصلى فيه، لم يحكم ببطلان صلاته بالشك، فإن الأصل عدم النجاسة، وقد شك فيها فى هذا الثوب، فيصلى فيه، كما لو استعار ثوباً أو اشتراه ولا يعلم حاله".