وفى هذا إبطال قول من زعم أن النهى عن الصلاة فيها لأجل النجاسة، فهذا أبعد شئ عن مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو باطل من عدة أوجه:
منها: أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة، كما يقوله المعللون بالنجاسة.
ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد. ومعلوم قطعاً أن هذا ليس لأجل النجاسة. فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء، ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق البتة، فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم فهم فى قبورهم طريون.
ومنها: أنه نهى عن الصلاة إليها.
ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.
ومنها: أن موضع مسجده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان مقبرة للمشركين، فنبش قبورهم وسواها واتخذه مسجداً: ولم ينقل ذلك التراب، بل سوى الأرض ومهدها وصلى فيه، كما ثبت فى الصحيحين عن أنس بن مالك قال:
"لَمّا قَدِمَ النبىُّ صلى الله تعالى عليه وآلهِ وسلم المدِينَة فَنزَلَ بأَعْلَى المدِينَةِ فى حَىّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرو بْنِ عَوْفٍ، فأَقَامَ النّبىُّ صلى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلمَ فيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى مَلاء بَنىِ النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلدِى السُّيُوفَ، وَكَأَنى أَنْظُرُ إِلى النَّبى صلّى اللهُ عليْه وسلّم عَلَى رَاحِلَتهِ، وأبو بكر رِدفَهُ، ومَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حتى أَلْقَى بِفناءِ أبي أَيُّوبَ. وكان يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّىَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلّى فى مَرَابضِ الْغَنمِ، وَأنّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فأَرْسَلَ إِلى مَلإٍ بَنى النَّجّارِ، فَقَالَ: يَا بنِى النجّارِ، ثَامِنُونى بحَائِطِكُمْ هذَا. قَالُوا: لا واللهِ، مَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إلى اللهِ