وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مقاصده، جزم جزماً لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهى بصيغتيه: صيغة "لا تفعلوا" وصيغة "إنى أنهاكم" ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عدم فى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله. فإن هذا وأمثاله من النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه. فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكاباً لنهيه وغرهم الشيطان. فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين. وكلما كنتم أشد لها تعظيما، وأشد فيهم غلوا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.
ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة. فجمع المشركون بين الغلو فيهم، والطعن فى طريقتهم وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم التى أنزلهم الله إياها: من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم. وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم.
فأما المشركون فعصوا أمرهم، وتنقصوهم فى صورة التعظيم لهم. قال الشافعى:"أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس".
وممن علل بالشرك ومشابهة اليهود والنصارى: الأثرم فى كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه فقال- بعد أن ذكر حديث أبى سعيد أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:"جعلت لى الأرض مسجدا إلا المقبرة والحمام" وحديث زيد بن جبير عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر: أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "نهى عن الصلاة فى سبع مواطن، وذكر منها المقبرة" قال الأثرم: إنما كرهت الصلاة فى المقبرة للتشبه بأهل الكتاب، لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد".