غيرت ديانات الرسل. ولولا أن الله أقام لدينه الأنصار والأعوان الذابين عنه، لجرى عليه ما جرى على الأديان قبله.
ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله هؤلاء الضلال لم ينه عن اتخاذ. قبور الأنبياء مساجد، ويلعن فاعل ذلك. فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها، وأن يعتاد قصدها واتيانها، ولا تجعل كالعيد الذى يجئ من الحول إلى الحول؟ وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد؟ وكيف يقول أعلم الخلق بذلك:"ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن خشى أن يتخذ مسجداً"؟ وكيف يقول:"لا تجعلوا قبرى عيداً، وصلوا على حيثما كنتم"؟ وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك ما فهمه هؤلاء الضلال، الذين جمعوا بين الشرك والتحريف؟
وهذا أفضل التابعين من أهل بيته على بن الحسين رضى الله عنهما نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، واستدل بالحديث. وهو الذى رواه وسمعه من أبيه الحسين عن جده على رضى الله عنه، وهو أعلم بمعناه من هؤلاء الضلال. وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن، شيخ أهل بيته، كره أن يقصد الرجل القبر إذا لم يكن يريد المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.
قال شيخنا: فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت، الذين لهم من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قرب النسب، وقرب الدار؟ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط.
فصل
ثم إن فى اتخاذ القبور أعياداً من المفاسد العظيمة التى لا يعلمها إلا الله تعالى ما يغضب لأجله كل من فى قلبه وقار لله تعالى، وغيرة على التوحيد، وتهجين وتقبيح للشرك.