قال تعالى:{أَمِ اتخَذُوا مِنْ دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ}[الزمر:٤٣-٤٤] .
فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض، وهو الله وحده. فهو الذى يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده. فيأذن هم لمن يشاء أن يشفع فيه. فصارت الشفاعة فى الحقيقة إنما هى له، والذى يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهى إرادته من نفسه أن يرحم عبده. وهذا ضد الشفاعة الشركية التى أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم، وهى التى أبطلها الله سبحانه فى كتابه، بقوله تعالى:
{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شفَاعَةٌ}[البقرة: ١٢٣] وقوله {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَنُفْقِوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ يوْمٌ لا بَيْعٌ فِيه وَلا خُلّةُ وَلا شَفَاعَةٌ}[البقرة: ٢٥٤] وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِى وَلا شَفِيعٌ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ}[الأنعام: ٥١] وقال: {اللهُ الّذِى خَلَقَ السَّموَات وَالأَرْضَ بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثم اُسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَالَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلا شَفِيعٍ}[السجدة: ٤] . فأخبر سبحانه أنه ليس للعباد شفيع من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه. كما قال تعالى:
{مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}[يونس: ٣] . وقال:{مَنْ ذَا الّذِى يَشْفَعَ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِه}[البقرة: ٢٥٥] فالشفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.
والفرق بين الشفيعين، كالفرق بين الشريك والعبد المأمور.
فالشفاعة التى أبطلها الله: شفاعة الشريك فإنه لا شريك له، والتى أثبتها: شفاعة العبد المأمور الذى لا يشفع ولا يتقدم بين يدى مالكه حتى يأذن له. ويقول: اشفع فى فلان. ولهذا كان أسعد الناس بشفاعته سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد، الذين جردوا التوحيد وخلصوه من تعلقات الشرك وشوائبه، وهم الذين ارتضى الله سبحانه.