للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأمر المعلوم عند القوم: أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء، فحينئذ تعطى الليان.

وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جداً، فإذا كان الصوت بالغناء، صار انفعالها من وجهين: من جهة الصوت، ومن جهة معناه، ولهذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأنجشة حادية:

"يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَك رِفْقاً بِالْقَوَارِيرِ": يعنى النساء.

فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدف والشبابة، والرقص بالتخنث والتكسر، فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء.

فلعمر الله، كم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حر أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا، وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا، وكم من ذى غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشاياً، وكم من معافى تعرّض له فأمسى، وقد حلت به أنواع البلايا، وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان، فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا، وكم جرّع من غصة وأزال من نعمة، وجلب من نقمة، وذلك منه من إحدى العطايا، وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة كما قيل:

فَسَلْ ذا خِبْرَةٍ يُنْبِيكَ عَنْهُ ... لِتَعْلَم كَمْ خَبَايا فى الزَّوَايَا

وَحاذِرْ إذا شُغِفْت بِه سِهَاماً ... مُرَيشَةً بأَهْدَابِ المَنَايَا

إِذا مَا خَالَطَتْ قَلْباً كَئِيباً ... يقلب بَينَ أطباقِ الرَّزَايَا

وَيُصُبِحُ بَعْدَ أن قَدْ كانَ حُرا ... عَفِيفَ الفَرْجِ: عَبْداً لِلصّبايَا

وَيُعْطِى مَنْ بهِ يُغنِى غِنَاءً ... وذلِكَ مِنْهُ مِنْ شَرِّ العَطَايَا

فصل

وأما تسميته: مُنبت النفاق.

فقال على بن الجعد: حدثنا [محمد بن] طلحة عن سعيد بن كعب المروزى عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "الغناء ينبت النفاق فى القلب كما ينبت الماء الزرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>