بن عوف وابن عباس. ولعله إحدى الروايتين عنهم، وإلا فقد صح بلا شك عن ابن مسعود وعلى وابن عباس: الإلزام بالثلاث لمن أوقعها جملة، وصح عن ابن عباس أنه جعلها واحدة. ولم نقف على نقل صحيح عن غيرهم من الصحابة بذلك، فلذلك لم نعد ما حكى عنهم فى الوجوه المبينة للنزاع، وإنما نعد ما وقفنا عليه فى مواضعه ونعزوه إليها، وبالله التوفيق.
فإن قيل: فقد ذكرتم أعذار الأئمة الملزمين بالثلاث عن تلك الأحاديث المخالفة لقولهم، فما عذركم أنتم عن أمير المؤمنين، وثانى الخلفاء الراشدين المحدث الملهم، الذى أمرنا باتباع سنته والاقتداء به؟ أفتظنون به أنه كان يرى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وخليفته من بعده والصحابة في عهده يجعلون الثلاث واحدة؟ مع أنه أيسر على الأمة وأسهل، وأبعد من الحرج، ثم يعمد إلى مخالفة ذلك برأيه ويلزم الأمة بالثلاث من قبل نفسه، فيضيق عليهم ما وسعه الله تعالى ويعسر ما سهله ويسد ما فتحه ويحرج ما فسحه، ثم يتابعه على ذلك أكابر الصحابة، ويوافقونه ولا يخالفونه؟، ثم هب أنهم خافوا منه في حياته، وكلا، فإنه كان أتقى لله سبحانه وتعالى من ذلك. وكان إذا بينت له المرأة ما خفى عليه من الحق رجع إليه. وكان الصحابة أتقى لله تعالى وأعلم به أن يأخذهم لومة لائم في الحق، وأن يمسكوا عنه خوفاً من عمر رضى الله عنه. فقد دار الأمر بين القدح فى عمر رضى الله عنه والصحابة معه، وبين رد تلك الأحاديث إما لضعفها وإما لنسخها وخفى علينا الناسخ، وإما بتأويلها وحملها على محمل يصح. ولا ريب أن هذا أولى لتوفية حق الصحابة الذين هم أعلم بالله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من جميع من بعدهم؟
قيل: لعمر الله، وإن هذا لسؤال يورد أمثاله أهل العلم، وإنه ليحتاج إلى جواب شاف كاف، فيقول:
الناس هنا طائفتان: طائفة اعتذرت عن هذه الأحاديث لأجل عمر ومن وافقه. وطائفة اعتذرت عن عمر رضى الله عنه ولم ترد الأحاديث.
فقالوا: الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها. لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود