وإذا تدبرت الشريعة وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها. فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك. فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع، وإن لم يقصد بها المحرم، لإفضائها إليه.
فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟
فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين، لكونه ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه وتعالى عدوا وكفرا، على وجه المقابلة.
وأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن:"مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ. قَالُوا: وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ. وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ".
ولما جاءت صفية رضى الله تعالى عنها تزوره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهو معتكف قام معها ليوصلها إلى بيتها فرآهما رجلان من الأنصار فقال:"عَلَى رِسْلِكُمَا إِنّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍ. فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: إِنّ الشّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. إنى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فى قُلُوبِكُمَا شَراً".
فسد الذريعة إلى ظنهما السوء بإعلامهما أنها صفية.
وأمسك صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن قتل المنافقين مع ما فيه من المصلحة، لكونه ذريعة إلى التنفير وقول الناس:
"إِنّ مُحَّمداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ".
وحرم القطرة من الخمر وإن لم تحصل بها مفسدة الكثير، لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها.