للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحسب مفاسدها في نفسها وقوة الداعى إليها وتقاضى الطباع لها.

وبالجملة، فالمحرمات قسمان: مفاسد، وذرائع موصلة إليها، مطلوبة الإعدام، كما أن المفاسد مطلوبة الإعدام.

والقربات نوعان: مصالح للعباد، وذرائع موصلة إليها.

ففتح باب الذرائع فى النوع الأول كسد باب الذرائع فى النوع الثانى، وكلاهما مناقض لما جاءت به الشريعة، فبين باب الحيل وباب سد الذرائع أعظم تناقض.

وكيف يظن بهذه الشريعة العظيمة الكاملة التى جاءت بدفع المفاسد وسد أبوابها وطرقها أن تجوز فتح باب الحيل، وطرق المكر على إسقاط واجباتها، واستباحة محرماتها. والتذرع إلى حصول المفاسد التى قصدت دفعها.

وإذا كان الشئ الذى قد يكون ذريعة إلى الفعل المحرم إما بأن يقصد به ذلك المحرم، أو بأن لا يقصد به، وإنما يقصد به المباح نفسه، لكن قد يكون ذريعة إلى المحرم، يحرمه الشارع بحسب الإمكان، ما لم يعارض ذلك مصلحة راجحة تقتضى حله، فالتذرع إلى المحرمات بالاحتيال عليها أولى أن يكون حراماً، وأولى بالإبطال والإهدار إذا عرف قصد فاعله، وأولى أن لا يعان فاعله عليه، وأن يعامل بنقيض قصده، وأن يبطل عليه كيده ومكره.

وهذا بحمد الله تعالى بين لمن له فقه وفهم فى الشرع ومقاصده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسد الطريق إلى ذلك المحرم بكل ممكن، والمحتال يتوسل إليه بكل ممكن، ولهذا اعتبر الشارع فى البيع والصرف والنكاح وغيرها، شروطاً سد ببعضها التذرع إلى الربا والزنا، وكمل بها مقصود العقود، ولم يمكن المحتال الخروج منها فى الظاهر. ومن يريد الاحتيال على ما منع الشارع منه فيأتى بها مع حيلة أخرى توصله بزعمه إلى نفس ذلك الشئ الذى سد الشارع الذريعة إليه، لم يبق لتلك الشروط التى أتى بها فائدة ولا حقيقة، بل تبقى بمنزلة العبث واللعب، وتطويل الطريق إلى المقصود من غير فائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>