فإن علم الموصى له أن الموصى إنما أوصى ضرارا لم يحل له الأخذ، ولو اعترف الموصى أنه إنما أوصى ضرارا لم تجز إعانته على إمضاء هذه الوصية.
وقد جوز سبحانه وتعالى إبطال وصية الجنف والإثم، وأن يصلح الوصى أو غيره بين الورثة والموصى له فقال تعالى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٨٢] .
وكذلك إذا ظهر للحاكم أو الوصى الجنف أو الإثم في الوقف ومصرفه أو بعض شروطه فأبطل ذلك كان مصلحاً لا مفسدا. وليس له أن يعين الواقف على إمضاء الجنف والإثم، ولا يصحح هذا الشرط ولا يحكم به، فإن الشارع قد رده وأبطله. فليس له أن يصحح ما رده الشارع وحرمه، فإن ذلك مضادة له ومناقضة.
فهذا دليل على أنه إذا عضلها لتفتدى نفسها منه وهو ظالم لها بذلك لم يحل له أخذ ما بذلته له ولا يملكه بذلك.
ومن ذلك قوله تعالى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النَّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبعَضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}[النساء: ١٩] .
فحرم سبحانه وتعالى أن يأخذ منها شيئاً مما آتاها إذا كان قد توسل إليه بالعضل.
ومن ذلك: أن جداد النخل عمل مباح أى وقت شاء صاحبه لكن لما قصد به أصحابه في الليل حرمان الفقراء عاقبهم الله تعالى بإهلاكه. ثم قال:{وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[القلم: ٣٣][الزمر: ٢٦] .
ثم جاءت السنة بكراهة الجداد بالليل، لكونه ذريعة إلى هذه المفسدة. ونص عليه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره.
قال أصحاب الحيل: قد أسمعتمونا على بطلان الحيل وتحريمها ما فيه كفاية. فاسمعوا الآن على جوازها واستحبابها ما نقيم به عذرنا.
قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أنفسهم قَالُوا