المثال الثامن عشر: إذا أراد أن يُسْلِم وعنده خمر، أو خنازير، وأراد أن لا يتلف عليه،
فالحيلة: أن يبيعها لكافر قبل الإسلام. ثم يسلم، ويكون له المطالبة بالثمن، سواء أسلم المشترى أو بقى على كفره. نص على هذا أحمد فى مجوسى باع مجوسياً خمراً، ثم أسلما، يأخذ الثمن الذى قد وجب له يوم باعه.
المثال التاسع عشر: إذا كان له عصير فخاف أن يتخمر، فلا يجوز له بعد ذلك أن يتخذه خلاً.
فالحيلة: أن يلقى فيه أولا ما يمنع تخمره، فإن لم يفعل حتى تخمر وجب عليه إراقته. ولم يجز له حبسه حتى يتخلل، فإن فعل لم يطهر، لأن حبسه معصية، وعوده خلاً نعمة، فلا تستباح بالمعصية.
المثال العشرون: إذا كان له على رجل دين مؤجل، وأراد رب الدين السفر وخاف أن يَتْوى ماله، أو احتاج إليه، ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول. فأراد أن يضع عن الغريم البعض ويعجل له باقيه. فقد اختلف السلف والخلف فى هذه المسألة. فأجازها ابن عباس، وحرّمها ابن عمرْ. وعن أحمد فيها روايتان. أشهرهما عنه: المنع، وهى اختيار جمهور أصحابه، والثانية: الجواز، حكاها ابن موسى. وهى اختيار شيخنا.
وحكى ابن عبد البر فى الاستذكار ذلك عن الشافعى قولا. وأصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول، ولا يحكونه، وأظن أن هذا - إن صح عن الشافعى- فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط، بل لو عجل له بعض دينه، وذلك جائز، فأبرأه من الباقى، حتى لو كان قد شرط ذلك قبل الوضع والتعجيل، ثم فعلاه بناء على الشرط المتقدم، صح عنده. لأن الشرط المؤثر فى مذهبه: هو الشرط المقارن، لا السابق، وقد صرح بذلك بعض أصحابه. والباقون قالوا: لو فعل ذلك من غير شرط جاز، ومرادهم الشرط المقارن. وأما مالك فإنه لا يجوزه مع الشرط، ولا بدونه، سدا للذريعة.
وأما أحمد فيجوزه فى دين الكتابة، وفى غيره عنه روايتان.