فلا بد من حصول الألم والمحنة لكل نفس آمنت أو كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم فى الدنيا ابتداء، ثم تكون له عاقبة الدنيا والآخرة، والكافر والمنافق والفاجر، تحصل له اللذة والنعيم ابتداء، ثم يصير إلى الألم، فلا يطمع أحد أن يخلص من المحبة والألم البتة، يوضحه:
الأصل العاشر: وهو أن الإنسان مدنى بالطبع، لا بد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات، واعتقادات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر، فلا بد له من الناس ومخالطتهم، ولا ينفك عن موافقتهم أو مخالفتهم. وفى الموافقة ألم وعذاب، إذا كانت على باطل، وفى المخالفة ألم وعذاب، إذا لم يوافق أهواءهم واعتقاداتهم، وإراداتهم ولا ريب أن ألم المخالفة لهم فى باطلهم أسهل من الألم المترتب على موافقتهم.
واعتبر هذا بمن يطلبون منه الموافقة على ظلم أو فاحشة أو شهادة زور، أو المعاونة على محرم. فإن لم يوافقهم آذوه وظلموه وعادوه، ولكن له العاقبة والنصرة عليهم إن صبر واتقى، وإن وافقهم فرارا من ألم المخالفة أعقبه ذلك من الألم أعظم مما فر منه، والغالب أنهم يسلطون عليه، فيناله من الألم منهم أضعاف ما ناله من اللذة أولا بموافقتهم.
فمعرفة هذا ومراعاته من أنفع ما للعبد، فألم يسير يعقب لذة عظيمة دائمة أولى بالاحتمال من لذة يسيرة تعقب ألما عظيما دائما، والتوفيق بيد الله.
الأصل الحادى عشر: أن البلاء الذى يصيب العبد فى الله لا يخرج عن أربعة أقسام. فإنه إما أن يكون فى نفسه، أو فى ماله، أو فى عرضه أو فى أهله ومن يحب.
والذى فى نفسه قد يكون بتلفها تارة، وبتألمها بدون التلف، فهذا مجموع ما يبتلى به العبد فى الله.