قال أبو حازم:"لما يلقى الذى لا يتقى الله معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذى يتقى الله من معالجة التقوى".
واعتبر ذلك بحال إبليس. فإنه امتنع من السجود لآدم فرارا أن يخضع له ويذل، وطلب إعزاز نفسه، فصيره الله أذل الأذلين، وجعله خادما لأهل الفسوق والفجور من ذريته فلم يرض بالسجود له، ورضى أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته.
وكذلك عباد الأصنام، أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر، وأن يعبدوا إلها واحدا سبحانه، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار.
وكذلك كل من امتنع أن يذل لله، أو يذل ماله فى مرضاته، أو يتعب نفسه وبدنه فى طاعته ومرضاته عقوبة له، كما قال بعض السلف:"من امتنع أن يمشى مع أخيه خطوات فى حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها فى غير طاعته".
فصل
فى خاتمة لهذا الباب، هى الغاية المطلوبة، وجميع ما تقدم كالوسيلة إليها.
وهى: أن محبة الله سبحانه، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والرضى به وعنه: أصل الدين وأصل أعماله وإرادته، كما أن معرفته والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجل علوم الدين كلها. فمعرفته أجل المعارف، وإرادة وجهة أجل المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته ومدحه وتمجيده أشرف الأقوال، وذلك أساس الحنيفية ملة إبراهيم.
وقد قال تعالى لرسوله:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلّةَ إبراهيم حَنِيفا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}[النحل: ١٢٣] .