للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففعلوا بصنمهم مثل ذلك، فيغدو فيلتمسه، فيجده فى مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه، فيغدون عليه إذا أمسى فيفعلون به ذلك، فلما طال عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه، فعلقه عليه، ثم قال له: والله إنى لا أعلم من يصنع بك ما ترى. فإن كان فيك خير فامتنع: فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام غدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميتا فقربوه به بحبل، ثم ألقوه فى بئر من آبار بنى سلمة فيها عذر من عذر الناس وغدا عمرو، فلم يجده فى مكانه الذى كان به فخرج يتبعه، حتى وجده فى تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت. فلما رآه أبصر شأنه، وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه، فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك، وما أبصر من أمره، ويشكر الله إذ أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة، ويقول:

وَاللهِ لَوْ كُنْتَ إِلها لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فى قَرَنْ

أُفٍّ لَمِلْقَاكَ إِلهَا مُسْتَدَنْ ... الآنَ فَتِّشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ

الْحَمدُ للهِ الْعِلِّى ذِى المِنَنْ ... الوَاهِبِ الرَّزَّاقِ دَيَّانِ الدَّيَنْ

هُوَ الّذِى أَنْقَذَنى مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فى ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ

قال ابن إسحق: واتخذ أهل كل دار فى دارهم صنما يعبدونه، فإذا أراد رجل منهم سفرا تمسح به، وإذا قدم من سفرٍ تمسح به، فيكون آخر عهدِه به، وأول عهده به، فلما بعث الله محمدا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالتوحيد قالت قريش:

{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِدًا؟ إِنَّ هذَا لَشَيءْ عُجَابٌ} [ص: ٥] .

وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهى بيوت تعظمها، كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجاب، وتهدى لها كما تهدى للكعبة، وتطوف بها كما تطوف بالكعبة وتنحر عندها كما تنحر عند الكعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>