هذا العالم المشتمل على النور والظلمة، فما كان من جهة الصلاح فمن النور، وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة.
قال: وهؤلاء يغتالون الناس، ويخقونهم، ويزعمون أنهم يحسنون إليهم بذلك، وأنهم يخلصون الروح النورانية من الجسد المظلم.
وقال بعضهم: إن البارى سبحانه لما طالت وحدته استوحش، ففكر فكرة سوء فتجسمت فكرته، فاستحالت ظلمة. فحدث منها إبليس، فرام البارى إبعاده عن نفسه فلم يستطع، فتحرز منه بخلق الجنود والخيرات، فشرع إبليس فى خلق الشر وأصل عقد مذهبهم، الذى عليه خواصهم: إثبات القدماء الخمسة: البارى، والزمان، والخلاء، والهيولى، وإبليس. فالبارى خالق الخيرات، وإبليس خالق الشرور.
وكان محمد بن زكريا الرازى على هذا المذهب، لكنه لم يثبت إبليس، فجعل مكانه النفس، وقال: يقدم الخمسة، مع ما رشحه به من مذاهب الصابئة والدهرية والفلاسفة، والبراهمة، فكان قد أخذ من كل دين شر ما فيه، وصنف كتابا فى إبطال النبوات، ورسالة فى إبطال المعاد، فركب مذهبا مجموعا من زنادقة العالم:
وقال: أنا أقول: إن البارى، والنفس، والهيولى، والمكان، والزمان: قدماء وأن العالم محدث.
فقيل له: فما العلة فى إحداثه؟
فقال: إن النفس اشتهت أن تحبل فى هذا العالم، وحركتها الشهوة لذلك، ولم تعلم ما يلحقها من الوبال إذا حبلت فيه، فاضطربت وحركت الهيولى حركات مشوشة مضطربة على غير نظام، وعجزت عما أرادت، فأعانها البارى على إحداث هذا العالم وحملها على النظام والاعتدال. وعلم أنها إذا ذاقت وبال ما اكتسبته عادت إلى عالمها، وسكن اضطرابها، وزالت شهواتها، واستراحت، فأحدثت هذا العالم بمعاونة البارى لها.
قال: ولولا ذلك لما قدرت على إحداث هذا العالم، ولولا هذه العلة لما حدث هذا العالم.
ولولا أن الله سبحانه يحكى عن المشركين والكفار أقوالا أسخف من هذا وأبطل لاستحيى العاقل من حكاية مثل هذا. ولكن الله سبحانه سن لنا حكاية أقوال أعدائه.